عموما

الســـــــودان تغـــــــرق تحت مياه الفيضان .. والأمم المتحدة تحذر من كارثة جديدة في الطريق

الســـــــودان تغـــــــرق تحت مياه الفيضان ..والأمم المتحدة تحذر من كارثة جديدة في الطريق

إعداد- عمرو سليم:
عانت السودان ومازالت تعاني من أسوأ كارثة طبيعية مرت عليها عبر تاريخها كله، وهي الفيضانات التي ضربتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، ونجم عنها وفاة أكثر من مائة مواطن سوداني، فضلا عن هدم عشرات ألالاف من منازل السكان وتشريد أكثر من نصف مليون مواطن حتى الآن، كذلك تدمرت عدد من المنشأت العامة والخدمية، وتوقفت مظاهر الحياة بمعظم مدنها بشكل شبه كامل، مما جعل السلطات السودانية تعلن حالة الطواريء العامة بالبلاد لمدة ثلاث شهور قادمة.

أين الحكومة؟

يوم 30 أغسطس الماضي كتب رئيس الوزراء السوداني «عبد الله حمدوك» على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» التدوينة التالية: «مناسيب النيل وروافده هذا العام وبحسب وزارة الري والموارد المائية غير مسبوقة منذ ١٩١٢م، فيضان هذا العام أدى لخسائر مفجعة وموجعة في الأرواح والممتلكات. أوجه باستمرار التنسيق الفعّال بين كُلّ مؤسسات وأجهزة الدولة وعلى رأسها المجلس القومي للدفاع المدني في هذا النفير الوطني الكبير الذي ظلوا يقومون به خلال الفترة الماضية وتعزيز التنسيق الكامل فيما بينهم ومع كافة قطاعات المجتمع المدني لحشد كافة الموارد المادية والبشرية الممكنة للعمل على تخفيف حدة الفيضان على مواطنينا. نعمل بالتوازي لوضع الخطط للتعامل الجذري مع الفيضان مستقبلا».
وقد أثار ما كتبه «حمدوك» على صفحته ردود فعل واسعة، فهناك من هاجمه وطالبه بالنزول للمدن، ورؤية حجم الكارثة الحقيقية على الأرض، وعدم الإكتفاء بالتصريحات والوعود البراقة أو البكاء على اللبن المسكوب، وهناك من قدم بعض العذر للحكومة بحجة أنها تتحمل عبء ظروف اقتصادية صعبة وبنية تحتية منهارة منذ زمن طويل.
الشىء الغريب في الأمر انه قبل ميعاد الفيضان تستطيع أي دولة تمتلك أقل الإمكانيات من تحديد كمية المياه المتوقع تدفقها، فضلا عن العديد من الأمور الفنية الآخرى ولكن …الغريب في الوضع هنا أنه بالرغم من أن بعض الأصوات قد حذرت بالفعل من خطورة فيضانات هذا العام قبل حدوثها إلا ان البعض ربما لم يأخذ تلك التحذيرات بالجدية الكافية، وهو ما نلمسه اليوم في الآثار الكارثية لتلك الأزمة التي يعيشها الشعب السوداني العظيم المعروف عنه الطيبة والنقاء.

مساعدات دولية

تدفقت المساعدات على السودان من قبل بعض الدول منذ وقوع الأزمة، فمثلا وصل جسر جوي من المساعدات الإنسانية الكويتية للخرطوم في عن طريق الهلال الاحمر الكويتي، يحمل مخيما لإيواء المتضررين فضلا عن مساعدات غذائية وإنسانية عاجلة لمن تضرروا من جراء تلك الفيضانات المدمرة، أما الإمارات كانت قد أرسلت طائرة مساعدات للسودان تحمل على متنها كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات العلاجية والمواد الطبية والغذائية، والإيوائية، أما المملكة العربية السعودية فقد أرسلت طائرة سعودية تحمل على متنها مساعدات إنسانية للمتضررين من الفيضانات، ولا ننسى مصر التي قامت قواتها المسلحة بفتح جسر جوى عاجل لتقديم المساعدات المختلفة إلى متضررى الفيضان بجمهورية السودان عن طريق طائرات محملة بكميات كبيرة من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والإنسانية والأدوية والخيام المقاومة للأمطار.

أزمة في الطريق

لأمم المتحدة حذرت من تضرر 30 مرفقا صحيا نتيجة الفيضانات، مع نقص التمويل ونقص الموظفين والبنية التحتية الضعيفة ونقص المعدات والأدوية الأساسية والإمدادات، وقد تم تقدير الإمدادات الطبية في البلاد بنحو 25 في المائة فقط من الاحتياجات الفعلية، وقد ازداد النقص بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، وحذرت منظمة الصحة العالمية من كارثة على وشك الحدوث نتيجة تعرض البلاد للعديد من الأمراض الهطيرة المنقولة مثل حمى الضنك والشيكونغونيا والملاريا.
كما دق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ناقوس الخطر من إحتمالية تدهور الوضع الإنساني خلال الأيام المقبلة، حيث من المرجح أن تتسبب الأمطار الغزيرة المتوقعة في إثيوبيا وأجزاء عديدة من السودان في زيادة مستويات المياه في النيل الأزرق، مما يؤدي إلى المزيد من الفيضانات والدمار. ومن جانبها اشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين انه قد أثرت الفيضانات أيضا على 125 ألف لاجئ ونازح، وقالت المتحدثة باسم المفوضية، «شابيا مانتو»، إن مياه الأمطار تساقطت بغزارة في ولاية شمال دارفور، مما ترك نحو 35 ألفا من النازحين والسكان المحليين واللاجئين بحاجة إلى المساعدة، وتوفي 15 شخصا ولا يزال 31 شخصا في عداد المفقودين.
أضافت أنه في المناطق المفتوحة بالخرطوم على مشارف المدينة، كان العديد من اللاجئين يعيشون في منازل مؤقتة وهم في أمس الحاجة إلى المأوى. وأعربت المفوضية عن الحزن الشديد إزاء وفاة رضيعة تبلغ من العمر 18 شهرا غرقت في مرحاض منهار.

جرس إنذار

يبدو أن أزمة الفيضان ليست التحدي الوحيد الذي يواجه السودان الآن .. بل لقد حذر مؤخرا برنامج الأغذية العالمي، أنه يحتاج 9.3 مليون شخص في السودان إلى الدعم الإنساني، بما في ذلك 6.2 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، كما يستمر ارتفاع التضخم في الحد من القوة الشرائية للأسر، وعدم تمكن السكان من تلبية احتياجاتهم الأساسية.
كما انه لا يزال السودان يواجه باستمرار مستويات عالية من سوء التغذية الحاد والتقزم، مما يشكل مشكلة كبيرة على الصحة العامة، حيث يعاني حوالي 2.7 مليون طفل من الهزال سنويًا، ويعاني ما يقرب من 522 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم، ويعاني طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال سودانيين من نقص التغذية بما يؤثر على التطور الكامل لقدراتهم الإدراكية والجسمانية، ولا ننسى أنه من المحتمل أن يزداد وضع الأمن الغذائي في السودان – المتردي بالفعل – سوءًا بسبب التأثيرات الاقتصادية السلبية جراء جائحة كوفيد-19، ومن الضروري بذل المزيد من الجهود للحيلولة دون معاناة الأسر، التي تعاني بالفعل من الفقر المدقع.

يعيش السودان أزمات متتالية كانت الكوارث التي سببها الفيضان الأخير نتيجة لها وليس سبب كما يزعم البعض ولكن … الأكيد هنا ان ذلك البلد والشعب المحب لللاستقرار والتنمية يحتاج إلى تحسين ملموس في مستوى معيشته، وخدمات آدمية تليق بتاريخه العظيم، وتوفير فرص عمل واستثمارات في الدولة التي تمتلك المقومات الطبيعية الهائلة – من أعظم وأغنى دول العالم في إمتلاك الثروة الزراعية والحيوانية الوفيرة- ليس من المعقول أن تعيش السودان تحت مجموعة من الكنوز والثروات المختلفة، وهي لا تستطيع في نفس الوقت استغلالها بالشكل الأمثل. السودان وطن عظيم يحتاج إلى حركة إصلاحية جدية بعيدة عن الشعارات البراقة والتصريحات الوردية التي لا تمت للواقع بصلة، فربما يكون ذلك الفيضان هو الصرخة التحذيرية لتتكاتف الحكومة السودانية مع شعبها للخروج بذلك البلد العريق من أزماته المتعاقبة إلى بر التنمية والأمان والاستقرار.

Author: sindbadmagazin