عموما

لأول مرة منذ عقود: «كورونا» يُحرم ملايين المسلمين من أداء مناسك الحج

لأول مرة منذ عقود:  «كورونا» يحرم ملايين المسلمين من أداء مناسك الحج

إعداد – عمرو سليم:
«يارايحين للنبي الغالي هنيالكم وعقبالي» كلمات الأغنية الشهيرة للفنانة ليلي مراد، كانت تدوي في جميع بلاد المسلمين خلال يوم الثامن من شهر ذي الحجة من كل عام هجري لتكتسي المملكة العربية السعودية باللون الأبيض الذي يميز ملابس الحجيج، يأتي ذلك الشهر العظيم ليسكن قلوب المسلمين بالفرحة والأمل والبشرى السارة، ليشتهر ذلك الشهر بطقوس دينية، ومجتمعية خاصة تميزه عن غيره من باقي شهور السنة، فمن المعتاد أن ترى الأعلام البيضاء ترفرف فوق سيارات الحجيج، وتسمع الهتافات والتهاني المباركة وأصوات الأغاني الدينية تنطلق من معظم البيوت العربية خلال وداعهم لأقاربهم حجاج بيت الله الحرام، ليبدأ بعدها استعداد البيوت المختلفة لتقديم الأضحية وتوزيع اللحوم على الفقراء وبدء المناسك الدينية، لتجتمع الأسرة أول أيام عيد الأضحي صباحاً تنحر الأضاحي وتوزع لحومها على الفقراء والمحتاجين، وتذهب لأداء صلاة العيد ثم يجتمع الأهل والجيران والأصدقاء ليتناولوا طبق «الفتة» الشهير المغطي باللحوم، وهم يضحكون ويتجاذبون أطراف الحديث الممتع الشيق، فهو يوم السرور والبهجة واللقاءات الأسرية بين المسلمين، إلا ان هذا العام اختلف تماماً عن ما سبقه من أعوام احتفل بها المسلمون بعيد الأضحي المبارك بسبب انتشار فيروس «كورونا» بمعظم دول العالم، واضطرار السلطات السعودية لإتخاذ إجراءات تحد من توافد الحجاج لأداء مناسك الحج، ليأتي الفيروس «كورونا» ليغير وجه واحد من أشهر المناسبات الدينية الإسلامية في موقف لم يعهده العديد من المسلمين من زمن طويل.

الحج قديماً

لم تكن طرق الحج مجرد مسالك عبرت عليها قوافل الحجاج الذين يأتون من كل فج عميق لزيارة بيت الله الحرام، بل هى قصة أُمَّة لوحدتها تجليات، فقد أسهمت فريضة الحج فى تقارب ثقافات والتقاء أفكار قبل أن تجتمع على أداء الفريضة، وشكَّلت لشعوب تلك الأمة هوية واحدة تحدَّت الصعاب وتجاوزت الاختلافات، لتصير أحد الثوابت التى اعتمدت عليها الأمة الإسلامية فى تأكيد وجودها ومصيرها ومستقبلها.
طريق الحج المصرى القديم كان أحد هذه الطرق التي تتابعت عليها الحكايات على مدار ١٥ قرنًا منذ الفتح الإسلامى لمصر عبر العصور المختلفة، حيث شهد أبرز حوادث التاريخ التى كان مسرحًا لأهم أحداثها، والذكرة لاتنسى صورها رغم تغيرّ معالم الطريق وتحوُّل بعض مساراته، حيث تتجلىَّ خصوصيتها ومواطن تميّزها.
تأتى أهمية طريق الحج المصرى القديم كملتقى لمجموعة من الطرق الأخرى لحجاج المغرب العربى والأندلس وغرب إفريقيا برًّا عبر واحة سيوة ووادى النطرون وكرداسة والجيزة، أو بحرًا من خلال السفن التى كانت ترسو فى الإسكندرية، ويتجّهون جميعًا إلى منطقة بركة الحاج بالقاهرة القديمة، وتحديدًا عند باب النصر، حيث يتم تجهيز المحمل الشريف الذى يتحركَّ سنويًّا فى شهر شوال، ويخرج الناس للاحتفال بمسيرة موكب الحجيج، بقيادة أمير الحج الذى يحدّد زمن التحركُّ وأماكن النزول والراحة وإعداد قوة الحراسة وتجهيز المؤن الكافية والمياه وكسوة جِمال القافلة.
تبدأ الرحلة فى السير حتى عجرود (قرب مدينة السويس) وكانت أشبه بسوق عربية كبيرة لتبادل البضائع القادمة من المغرب العربى وإفريقيا، ومنها إلى القلزم (السويس) ثم عيون موسى، للتزوُّد بالمياه، حتى «وادى صدر» حيث توجد ٣ عيون طبيعية، إلى أن تصل إلى « نخل « بوسط سيناء، وتعقد بها سوق كبيرة لفواكه المنطقة، وأفران الخبز وتنصب بها خيام للمبيت ويوجد بها مسجد وقلعة بُنيت فى عصر السلطان بيبرس.
تستغرق هذه المسيرة نحو ١٠ أيام حتى تصل إلى العقبة وتنزل فى القلعة التى شيدّها السلطان الغورى، وبها مخازن للحبوب ومخبز وبئر مياه ومسجد، ومنها يتجه الحجاج إلى الأراضى الحجازية بمحاذاة البحر الأحمر للجنوب من حقل، ومدين، وينبع، وبدر، ورابغ، حتى الوصول إلى مكة المكرمة.

تاريخ أغلاق المسجد الحرام

لم يكن أغلاق الكعبة أمام الحجيج بسبب انتشار فيروس «كورونا» حول العالم هو الحدث الأول من نوعه، بل سبقته عدة أحداث مماثلة، ففي عام 570 قام أبرهة الحبشي أبرهة الحبشي الذي حكم اليمن وقتها باستهداف الكعبة بواسطة جيش جرار يضم أفيلة ضخمة، وهو ما أثار مخاوف العرب وابتعدوا عن الكعبة عند هجومه عليها إلا أن الله أرسل طيور تحمل حجارة وألقتها على جيشه ليهرب مسرعا ويحمى الله بيته الحرام، وفي العهد الأموي للدولة هاجم جيشه بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي، مدينة مكة للقضاء على حكم عبد الله بن الزبير بن العوام، ليحاصر الكعبة ويضربها بالمجانيق إلا أنه أعيد ترميمها مرة آخرى، وايضا تسبب هجوم جماعة القرامطة على المسجد الحرام والكعبة عام 930 ميلادي في توقف موسم الحج وتعطيل مناسكه، أما الحادثة الأشهر فحدثت منذ ما يقارب نصف قرن، عندما اقتحم نحو 200 رجل يقودهم جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني المنتميان لـ ”الجماعة السلفية المحتسبة“، الحرم المكي فجرا، وسيطروا عليه بواسطة الأسلحة التي كانوا يحملونها، معلنين عن ظهور ”المهدي المنتظر“، إلا أن السلطات السعودية سيطرت على الموقف وتم القبض على المجرمين.

الحج في زمن الكورونا

جاء فيروس «كورونا» ليغير وجه الحج في المملكة العربية السعودية، كما باقي دول العالم، حيث أصدرت وزارة الحج والعمرة بيان أوضح فيه الإجراءات المتبعة خلال موسم الحج في ظل أزمة فيروس «كورونا»، جاء فيه التالي: نظرًا لما يشهده العالم من تفشي لفايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في أكثر من (180) دولة حول العالم، بلغ عدد الوفيات المتأثرة به قرابة النصف مليون حالة وفاة، وأكثر من 7 ملايين إصابة حول العالم.
وبناءً على ما أوضحته وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية؛ حيال استمرار مخاطر هذه الجائحة وعدم توفر اللقاح والعلاج للمصابين بعدوى الفايروس حول العالم وللحفاظ على الأمن الصحي العالمي، خاصةً مع ارتفاع معدل الإصابات في معظم الدول وفق التقارير الصادرة من الهيئات ومراكز الأبحاث الصحية العالمية، ولخطورة تفشي العدوى والإصابة في التجمعات البشرية التي يصعب توفير التباعد الآمن بين أفرادها.
لذلك؛ فإن المملكة العربية السعودية، وانطلاقًا من حرصها الدائم على تمكين ضيوف بيت الله الحرام وزوار مسجد المصطفى صلى لله عليه وسلم من أداء مناسك الحج والعمرة في أمن وصحة وسلامة، حرصت منذ بدء ظهور الإصابات بفايروس كورونا، وانتقال العدوى إلى بعض الدول؛ على اتخاذ الإجراءات الاحترازية لحماية ضيوف الرحمن، بتعليق قدوم المعتمرين والعناية بالمعتمرين المتواجدين في الأراضي المقدسة، حيث لاقى هذا القرار مباركةً إسلاميةً ودولية لما كان له من إسهام كبير في مواجهة الجائحة عالميًا، ودعمًا لجهود الدول والمنظمات الصحية الدولية في محاصرة انتشار الفيروس.
‏‎وفي ظل استمرار هذه الجائحة، وخطورة تفشي العدوى في التجمعات والحشود البشرية، والتنقلات بين دول العالم، وازدياد معدلات الإصابات عالميًا، فقد تقرر إقامة حج هذا العام 1441هـ بأعداد محدودة جدًا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًا وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية بإذن الله.
«كورونا» غير الكثير من معالم الحياة البشرية ولكن … يبدوا أن هذا التغيير ربما يحمل رسالة من الله تجعلنا نقف دقيقة ونتأمل حياتنا وما يحدث فيها، لتكون تلك بداية جديدة لفترة قادمة تقودنا نحو مستقبل أفضل.

Author: sindbadmagazin