عموما

لبنان وفرصة أخيرة قبل السقوط المرعب

لبنان وفرصة أخيرة قبل السقوط المرعب

بقلم – عمرو سليم:
شجر الأرز الجميل .. التبولة اللذيذة .. التليفريك المعلق وسط الطبيعة الساحرة والجبال الشاهقة… عندما كنا نسمع كل ذلك كان يتبادر إلى أذهاننا لبنان المبهرة قلب الجمال الحي وعاصمة الفنون والثقافة العربية، عشرات السنوات واسمها يرتبط بقمة جداول السياحة والتجارة في المنطقة، تعتبر لبنان رمز واضح لتنوع الثقافات والديانات والحضارات على حد سواء، مما أكسبها مذاق خاص على مدار سنوات ماضية، إلا ان ذلك المذاق لم يكون ذو بعد متماسك وقوي على الساحة السياسية وتسبب في الكثير من الأزمات خلال الفترة الأخيرة، لدرجة أن بعض عشاقها يبكون من هول ما تشهده تلك الدولة القريبة من قلوبنا جميعاً.

التركيبة السكانية

تمتلك لبنان تركيبة سكانية تعتبر فريدة من نوعها في العالم العربي كله، فحوالي 40% من السكان ينتمون إلى الدين المسيحي، يتوزعون على 18 طائفة معترف بها، تنحدر معظم جذورهم من أصول فينيقية، رومانية، تركية، فارسية، ولبعضهم جذور أوروبية، لذلك يعتبر الشعب اللبناني مزيج من عدة أصول متنوعة، قد وصل عدد المهاجرين والمغتربين اللبنانيين في الخارج ما يزيد عن 10 مليون مواطن، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية القاسية، وقلة فرص العمل والارتفاع المستمر في الأسعار بصورة قاسية، مما جعل الكثير من الشباب والأسر تسرع في المغادرة للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكندا، ليشكل اللبنانيون معظم الجاليات الأجنبية في تلك البلاد.
ولا يمكن ان نغفل إنه قد استقلبت لبنان خلال السنوات الماضية اكثر من 1.5 ميلون لاجىء معظمهم من فلسطين وسوريا وقلة من العراق واليمن، يعيش أكثر من نصفهم تحت خطر الفقر المدقع، بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد، وما يعانيه المواطنون من أزمة معيشية طاحنة، لتضيف أزمة جديدة لما تعانيه عاصمة الفن العربي.

تشابكات سياسية

يقال دائماً ان التنوع في المجتمع يعتبر سر من أسرار قوته وتطوره ومتانة اقتصاده مثلما الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا ان ذلك المثل ربما لم يتم تطبيقه بالشكل الأمثل في لبنان، فبعد أن كانت تتكون من طائفتان رئيسيتان هما المسيحيين والمسلمين، أصبحت هناك ست طوائف تعتبر المتحكم الرئيسي في المشهد السياسي اللبناني وهي الموارنة، الأرثوذكس، الكاثوليك، السنّة، الشيعة والدروز، وتحول المشهد السياسي لصراع سني شيعي طائفي، فبدلاً من ان يتم استخدام ذلك التنوع لتحقيق تكامل اقتصادي وتنوع ثقافي وديني إلا ان المشهد ازداد تعقيداً بفعل تناحرات سياسية بين كل جانب، فضلاً عن تكوين أحزاب وإئتلافات متعددة على أسس طائفية تبتعد عن المصلحة الوطنية العيا لتحل محلها مصلحة خاصة وإقليمية ليس للمواطن اللبناني المطحون أي فائدة منها بالعكس تزيده مشقة يوماً بعد يوم.
لم تكن تلك التعقيدات والتشابكات تظهر على الجانب الداخلى فقط بل تحولت لبنان إلى ما يشبه قطعة الحلوى التي يسرع الجميع لتقاسمها، فمن خلال إيران ودعهما لحزب الله اللبناني المتصدر للمشهد السياسي والعسكري والمؤثر الأساسي في مفاصل الدولة هناك، أصبحت تتحكم في بعض من قرارات الدولة الخفية هناك أو العميقة بصورة غير مباشرة، فضلاً عن النظام السعودي ونفوذه القوى، ورأينا ذلك خلال ما قيل عن احتجاز رئيس الوزراء اللبناني الأسبق «سعد الحريري» خلال زيارته للمملكة، وإجباره على تقديم استقالته خلال وجوده هناك، فضلاً عن التدخل الفرنسي الهادىء المتوارى عن الأنظار.

إفلاس اقتصادي

أعلنت لبنان خلال شهر مارس الماضي إفلاسها رسمياً بعد ان تخطت ديونها وفوائد خدمة الدين حدود مقدرة الدولة على سداد إلتزاماتها، وأصبحت خدمة الدين تشكل أكثر من نصف ايردات الدولة وتوقفت أعمال البنية التحتية وعدد كبير من الخدمات لعامة بسبب تلك الظروف الاقتصادية المنهارة، وأعلنت حكومة «حسان دياب» عدم قدرتها على سداد تلك الديون، وهو ما شكل ضربة قاضية للاقتصاد اللبناني وتجارته الدولية وعلاقاته السياسية ايضا خلا الشهور الماضية.
تستطيع بكل سهولة ان تكتشف المشهد الاقتصادي والسياسي في لبنان من خلال جولة سريعة على أقدامك لتجد ضحكات الشعب المعروف عنه السعادة والإنطلاق وعشق الطرب، وقد تحولت إلى وجوه عابسة حزينة تحمل هموم وآلام تكاد ان تخرج من عيني كل مواطن، وتبدلت نغمات الموسيقى والحفلات الساهرة التي كانت تنطلق من شوارع بيروت إلى صرخات تشتكي من الظروف الاقتصادية الصعبة، وتطالب بتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين.

لحظة الانفجار

خلال نهاية العام الماضي انطلقت تظاهرات صاخبة في جميع أنحاء لبنان خاصة العاصمة بيروت، حيث خرج المتظاهرون الغاضبون يرفعون شعارات تطالب بإقالة الحكومة والاهتمام بأحوال الشعب ومتطلباته وتحسين ظروفه الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وتحقيق عدالة اجتماعية بين الجميع، واتحد الجميع خلف شعار «لبنان واحد لنا جميعا» في اشارة للانقسامات المدمرة التي تعيشها الدولة بسبب التناحرات السياسية الهائلة، وبالفعل استقالت حكومة سعد الحريري إستجابة للضغوط الشعبية، إلإ أن الأزمة استمرت بعد ذلك واستمر مسلسل الانهيار والخلافات بين الطوائف المختلفة وسط إفلاس اقتصادي، وانهيار سياسي وتحديات أمنية متزايدة.
لم يتوقف تصوير المشاهد الحية للفيلم الواقعي المرعب في لبنان عند ذلك المشهد فقط .. بل في بداية شهر أغسطس الحالي فوجىء اللبنانيون والعالم بمشهد لم يروه من قبل شبهه البعض بانفجار قنبلة هيروشيما النووية قبل مائة عام، لنرى مرفأ بيروت العظيم قد تحول لأنقاض وتدمرت معه أكثر من 50 ألف وحدة سكنية، وتشرد ما يزيد عن 300 ألف مواطن، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 200 فرد، وإصابة 6 ألاف بجروح متنوعة، مما تسبب بخسائر مادية قاربت 15 مليار دولار أمريكي.
كل ذلك بسبب ما يتضح حتى الآن انه ربما يكون أهمال ناتج عن تخزين شحنة من المواد الخطرة شديدة الانفجار بالمرفأ الحيوي الذي يقع بقلب العاصمة بدون إتخاذ الضوابط اللازمة، إلا ان نظرية المؤامرة لم تترك تلك القصة وزعم البعض أن ما حدث بسبب عملية تخريبية متعمدة للمرفأ والبعض الاخر أتهم أجهزة استخبارات أجنبية بالوقوف خلف ذلك المشهد المرعب… ولكن الحقيقة التي تظهر لدي البعض مثل الشمس أمام نظرهم وربما يرفضون مواجهتها أن الفساد والإهمال والفوضى السياسية ربما تكون أخطر ألف مرة على لبنان والمنطقة من ذلك الانفجار الغامض، الذي قد يكون مجرد شرارة لما هو قادم وأخطر من ذلك بكثير.
لن تُحل الأزمة البنانية بتقديم الحكومة استقالتها أو بخروج المواطنين للتظاهرات بالشوارع والطرقات بالعكس فأن لبنان تحتاج ليقف كل مواطن مع نفسه ليغير من أساليب حياته ونظرته للعديد من الأمور ثم تستطيع وقتها ان تطالب بالتغيير الحقيقي، فليس هناك فائدة من ان تنادي بتغيير صورة أنت جزء منها. تيقن عزيزي المواطن اللبناني ان وطنك يحتاج لتقف مع نفسك أمام المرآة ولو حتى لدقيقة واحدة قبل ان تجد نفسك أمام مشهد لن تجد فيه لحظة آمنة لتستطيع ان تجلس مع نفسك فيها أو مع أسرتك، وتذكر أنه قبل ان ينسكب اللبن تستطيع ان تمنع سقوطه ولكن … بعدها من المستحيل ان تعود بالزمن للوراء لتمنع الانهيار من الحدوث.

Author: sindbadmagazin