الصحة

متلازمة أوليسيس مرض للأغتراب

Depressed man sitting alone in gloomy room

متلازمة أوليسيس مرض للأغتراب

 

لابدّ أن الهجرة عن الوطن الأم والعيش في بلد مختلف في كل شيء صعبٌ جداً، وخاصةً إذا كان الشخص المهاجر بعيداً عن أهله وأحبابه وأصدقائه، وهذا الأمر يزيد من الغربة وجعاً آخر يمكن أن يتبلور هذا الوجع ويصبح مرضاً، فالأمراض ليست فقط عضوية وجسدية ظاهرة كما نعلم ولكن أيضاً نفسية وعاطفية وهذه الأنواع من الأمراض لاتقل خطورة عن المرض الجسدي، فقط أقدم الكثير من المهاجرين على الأنتحار جراء تدهور وضعهم النفسي وعدم قدرتهم على التأقلم في المجتمع الجديد أو مواجهة المشكلات التي تعرضوا لها.
وقد تعرضَ الكثير من المهاجرين إلى الإتهام بأنهم لايبذلون الجهد المطلوب من أجل الإندماج أو تعلم لغة البلد المضيف أو البحث الجاد عن فرصة عمل، وهذه الأمور كلها تعود بسبب الضغوطات النفسية التي يعاني منها المهاجرون الذين يجدون صعوبة في تخفيفها أو إزالتها وهذا بالضرورة يؤدي إلى الحدّ من قدراتهم وإنجاز ما يجب إنجازه.
إن هذه الضغوطات النفسية الشديدة التي يعاني منها المهاجرون تمت دراستها بشكل معمق وأُطلق عليها إسم «متلازمة أوليسيس» نسبةً للبطل الأغريقي «أوديسيوس» في ملحمة هوميروس الأوديسا والذي ظلّ عشر سنوات في رحلة عودته إلى مدينته والمعاناة التي عاشها خلال إغترابه القسري وإنصدامه مع بلاد كثيرة بعادات وثقافات ولغات مختلفة والتي جعلت رحلته غاية في التعقيد والصعوبة.
وخلُصت الدراسات التي تمت خلال عقدين من العمل مع المهاجرين قام بها البروفيسور الأسباني في الطب النفسي في حامعة برشلونه «جوسيا أخوتيغوي» إلى إن أعراض هذه المتلازمة هي ردّ فعل على الجهد المبذول من قِبل المهاجر من أجل أن يتأقلم مع الضغوطات النفسية ذاتها التي يعاني منها في الأصل، وتصيب هذه المتلازمة بعض المغتربين نتيجة مايواجهونه من ضغوطات في المعيشة، ووصفها أيضاً بمتلازمة ضغوط الهجرة المزمنة والمتعددة.
وأعراض هذه المتلازمة جسدية مثل، الصداع النصفي، آلام في المعدة والرأس والعظام، ونفسية مثل، القلق المستمر، الأرق، العصبية، التهيج، الأرتباك، الخوف، إنعدام الثقة بالنفس، الأكتئاب المزمن.
ومن أهم العوراض التي يشعر بها المصاب بمتلازمة أوليسيس الشعور بالوحدة بسبب البعد القسري عن العائلة والأحبة والأصدقاء وخاصةً البعد عن الأطفال والشعور بالحنين لهم أو عن كبار السن أو المرضى الذين لايمكن إحضارهم أو زيارتهم ويتفاقم الشعور بالوحدة مع تكرار الذكريات والشعور بوجعها بدل أن تكون ذكريات جميلة ذات وقع مريح للنفس، هذا مع الوضع في الأعتبار أن غالبية المهاجرين أتوا من مجتمعات غنية بعلاقاتها الأجتماعية القوية والمتماسكة عكس المجتمعات الغربية التي تتسم بفقر العلاقات وقلتها وأيضاً برودها.
من أجل الخروج من هذه المتلازمة يجب على المهاجرين الذين يشعرون بعوارضها أن يستعينوا بموظفين ومتطوعين من بلدهم الأصلي حتى يستطيعون التواصل معهم بلغتهم الأم والتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم بوضوح، وهم موجودين ضمن برامج الدعم النفسي الأجتماعي في ألمانيا على سببل المثال والتي تنبهت لهذه الظاهرة وسارعت لتوظيف مهاجرين من عدة بلاد ضمن برامج الأندماج من أجل التواصل معهم ومساعدتهم للخروج من هذه المتلازمة، ويمكن التواصل أيضاً مع من مروا بهذه التجربة وخرجوا منها بنجاح من أجل تقديم الدعم اللازم ومساعدة المصابين بمتلازمة أوليسيس بالتخلص من المشاعر المؤلمة والطاقة السلبية والبدأ بالوعي بمشاعر جديدة من خلال الحياة الجديدة وتفاصيلها والتفكير بطريقة إيجابية للمضي قُدماً في تجربة جديدة يمكن فيها إنجاز أهداف وطموحات، وهذا سيؤدي حتماً في تحسين ظروف المعيشة مثل تعلم اللغة ومن ثم الألتحاق بالدراسة في الجامعة أو التدريب المهني أو اللحاق بوظيفة مما يعطي ثقة في النفس والأندفاع بشكل إيجابي.
ويُنصح الباحثون أيضاً بالطعام الصحي المليء بالخضراوات والفواكة وممارسة الرياضة والهويات من أجل التخلص من الضغوطات والطاقة السلبية.
لابد ان الهجرة تجربة إنسانية على درجة عالية من الأهمية حتى شغلت بال المفكرين والباحثين، وسيبقى في طيات كل تجربة أشياء لم تُبحث بعد ومشاعر لم تُقال، و ستبقى الهجرة امتحان صعب تجاوزه والنجاح فيه إنجازٌ هام، ومن الضروري الأخذ بالحسبان الحالة النفسية الصعبة التي تُحيط بالمهاجر والجهد المبذول من طرفه من أجل المضي قُدماً في البلد المضيف بحياة جديدة تنعم بالسلام والأمان.

Author: sindbadmagazin