الخدمات

تابوت الإسكندرية.. واللعنة المزعومة!

تابوت الإسكندرية.. واللعنة المزعومة!

في الأول من شهر يوليو 2018 أعلنت وزارة الأثار المصرية عن العثور على مقبرة أثريه ترجع للعصر البطلمي، أثناء أعمال حفر بأرض أحد المواطنين بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية.

ووجد بالمقبرة وعلى عمق 5 متر؛ تابوت مصنوع من الجرانيت الأسود، ويُعد من أضخم التوابيت التي تم العثور عليها بالإسكندرية، ويبلغ ارتفاعه ١٨٥ سم وطوله ٢٦٥ سم وعرضه ١٦٥سم، ويقترب حجمه من 30 طن، وتأكد لحظتها أن التابوت لم يُفتح منذ اغلاقه؛ كما وجد بالمقبرة أيضا رأس تمثال لرجل مصنوع من المرمر متآكل وغير واضح المعال يبلغ ارتفاعه ٤٠ سم.

وبمجرد أن أعلنت الوزارة عن هذا الكشف؛ تحدثت الصحف الأجنبية عنه باستفاضة؛ ولكن الغريب في تغطية تلك الصحف أنها تحدثت بتوجس عما يمكن أن يكون داخل التابوت، وحذروا من أن يكون فتحه قد يسبب لعنة تصيب العالم أجمع.

كما أن مواقع التواصل الإجتماعي بادرت وخمنت بأن يكون التابوت للإسكندر الأكبر، وانتشر على مواقع التواصل الإجتماعية في مصر وغيرها أن فتح الصندوق ورفع الغطاء سيصيب العالم بلعنة، وسيؤدي إلى أن يسود الظلام العالم، وسيغطي على ضوء الشمس مما سيجعل الأرض تعيش في ظلام دامس لمدة 1000 عام تقريبا.

ولكن بمجرد فتح التابوت يوم 19 يوليو من ذات الشهر؛ تبخرت كل هذه التكهنات باللعنة المزعومة أو وجود مومياء الإسكندر الأكبر؛ حيث لم يعثر بالتابوت سوى على بواقي ثلاث هياكل عظمية؛ غارقة في مياه الصرف الصحي التي امتلأ بها التابوت.

ولكن يجدر بنا هنا أن نبين أن هناك 140 محاولة مصرية وعالمية سابقة لم تقلح في العثور على مقبرة الإسكندر الأكبر؛ إلا أن الأمال تتجدد كل فترة للوصول إليها، وهذا شىء ايجابي نرجو أن يتحقق يوماً ما، لكن ما نستطيع أن نؤكد عليه؛ هو أن هذا التابوت لم يكن للإسكندر الأكبر، للأسباب الآتية:

أولاً: أن عمق المقبرة المكتشفة 5 أمتار؛ وهو عمق لا يتناسب مع مكتشفات العصر البطلمي التي يزيد عمقها عن 10 أمتار.

ثانياً: أن الرأس المكتشفة بالمقبرة بجوار التابوت كانت من المرمر ومشوهة المعالم ولا يوجد ما يدل على انتسابها للإسكندر؛ فهي لا تتشابه مع الإسكندر اطلاقاً، بل هي أقرب إلى العصر الروماني منه إلى الإسكندر.

ثالثاً: لا توجد مصادر معينة تبين لنا شكل تابوت الإسكندر الأكبر، وخاصة أن جثة الإسكندر كانت قد نُقلت بين أكثر من تابوت؛ وكانت في البداية داخل تابوت ذهبي، ثم نُقلت إلى تابوت زجاجي، ولا نعلم الشكل الذي انتقلت إليه بعد ذلك، فلا يوجد أي دليل على أنها نُقلت داخل تابوت من الجرانيت.

رابعاً: التابوت يخلو تمامًا من أي زخارف، ومن المستبعد أن يكون قد تم نقل مومياء الإسكندر داخل تابوت بهذا الشكل، خاصة وأن هناك من العصر البطلمي توابيت عديدة لأشخاص عاديين مليئة بالزخارف.

خامساً: كما أنه الصعب تحديد عصر هذا التابوت من خلال مكان الكشف عنه، فهناك عدة أمور تحدد عصر التوابيت، بداية من الشكل والهيئة والزخارف وموقع الكشف، فمن المرجح أن يعود هذا التابوت إلى عصر قديم سواء أيام الفراعنة أو عصر الإسكندرية قبل عصر الروماني، ولكن مثل هذه التوابيت الضخمة ذات الأحجار الضخمة المجلوبة من أسوان وتتكلف الكثير، يُعاد استخدامها على مر العصور، لذلك احتمالية أن يكون التابوت من عهد قديم وأعيد استخدامه كبيرة جدًا.

سادساً: كما أن منطقة سيدي جابر، المنطقة المُكتشف فيها التابوت، تعتبر من المناطق التي تقع خارج نطاق مقابر الإسكندرية القديمة، التي كان يعيش فيها الإسكندر الأكبر، بل إن هذه المنطقة تم استخدامها كمقابر مع نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، أي بعد وفاة الاسكندر بقرن من الزمان على الأقل.

وبهذا يظل لغز مقبرة الإسكندر الأكبر؛ من أكثر الألغاز الأثرية المُثارة التي لم تجد حلاً حتى الآن!

تابوت الإسكندرية قبل فتحه

تابوت الإسكندرية بعد فتحه

 

د. حسين دقيل

باحث متخصص في الآثار

Author: sindbadmagazin

About the author

sindbadmagazin

Add Comment

Click here to post a comment