عموما

التطرف: يبدأ بفكرة بسيطة ليتحول لغسيل دماغ لينتهي بعمليات إنتحارية وهجمات إرهابية

Thief in black clothes on grey background

منذ ما يقرب 9 سنوات كنت أسير في الطريق العام في أحدي المرات مع زميلة لي ، وفجأة فإذا بشخص يمشي بجوارنا وينظر إلينا نظرات غاضبة، تكاد ان تسألنا عينيه ماذا تفعلون سويًا؟؟ كنت نسير متباعدين، ملابسها كانت طويلة وشعرها مغطى، وانا لم أكن حتى قريب في خطواتي منها بل كان يفصلنا ما يقارب المتر، شعرت بنظراته وبماذا يفكر ويريد ان يقول لكنه لم ينطق بكلمة واحدة ربما خوفًا من ان نتهمه بالتطرف أو التدخل فيما لا يعنيه… فمجرد ان أسير بجوار زميلتي في الشارع اعتبره شخص ما وقتها خطأ لا يغتفر لانه فسر ذلك بسحب عقليته وتفكيره وربما وضع سيناريوهات داخل خياله لا أساس لها من الصحة، وفي حقيقة الأمر إننا كنا نقوم بتحقيق صحفي سويًا وكنا ذاهبين لاستكماله، أي كنا نؤدي عملنا العام الذي هو في الأساس لخدمة الرأي العام والمجتمع.

النظرة المتطرفة أو الناتجة عن الجهل ومحدودية الرؤية أو انحصار التفكير داخل شىء محدد لا يخرج عنه الفكر أو يريد حتى مجرد النظر لحقيقة الأمر تعتبر التحدي الأكبر الذي تعيشه عدد من دول المنطقة، وهو بالتأكيد ناتج بالدرجة الأولى عن الفقر والجهل ومحدودية النظم التعليمية، واعتمادها على التلقين والحفظ بدلًا من الإبداع والتخيل والابتكار، فقد تعود الكثير على السير في نفس الطريق الذى سار فيه غيرهم بدون أن ينظروا إذا كان ذلك المسار يناسبهم أم لا!!

غسيل الأدمغة

هنا اتذكر ان شخص مصري كان يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية في فندق ما، حقق ذلك الشاب نجاح كبير وتم رفع راتبه خلال فترة قصيرة وهو ما لم يحدث مع بعض من زملائه الذين قاموا بترك عملهم بعد ما رأوا نجاح ذلك الشاب وقاموا بالعمل معه بنفس الفندق ولكن … بعد عملهم عدة أشهر وجدوا ان ذلك الأمر لم يحدث معهم، وهو ما جعل بعضهم في غاية التعجب، وتوجهوا لمدير المكان وسألوه وأجابهم بأن ذلك الشخص كان مُبدع ومُبتكر واستفاد منه امكان العمل كثيرًا وطريقته في العمل جذبت إلينا عملاء جدد، وهو ما لم يستطيعوا هم ان يفعلوه، ما أريد ان أقوله هنا ان البعض يسير في طريق غيره بدون ان يفكر أو يحسب حساباته الخاصة وتكون النتيجة الفشل الكبير، وهوما يحدث بالفعل مع بعض الأشخاص الذين يسيرون في طريق رسمه لهم غيرهم وهو ما يسهل عملية إستقطابهم وتغيير عقولهم أو بالأحرى غسل أدمغتهم، وبالتالي يصبحون مثل قطعة الصلصال التي يمكن تحريكها وتشكيلها بالطريقة التي تناسب مُحرك الأمور، لذلك يسهل كثيرًا السيطرة على العقول وجذبها في البيئات الفقيرة البسيطة التي ينتشر بها الجهل وانهيار التعليم، وبالتالي يضعف المستوي الفكري والثقافي، فهنا سهل ان تُحرف ما تريد سواء النصوص الدينية أو الثقافية أو حتى أساسيات الحياة وعلومها، وسيصدقك من يفقتر للعلم الحقيقي، وهنا تظهر البيئة الأنسب لإحتضان التطرف وتشكيل العناصر الإرهابية .

التطرف يبدأ من استغلال العقول البسيطة الجاهلة المنغلقة ليسهل وضع ما يريده أي طرف بها، بالتأكيد ستستطيع ان تملأ الإناء عندما يكون فارغ لتضع به الكمية التي تريدها وأنت مستريح، فالعملية هنا تبدأ في الاستيلاء على عقل ضعيف قابل للتغيير بسهولة، نتيجة الفقر والجهل، فضلا عن شعور البعض بغياب العدالة الاجتماعية، وانه لم يحصل على حقوقه التي يستحقها، يصبح هنا الشخص في وضع الاستعداد ليكون كقطعة الصلصال لتلك الجماعات التى تبدأ في إعطائه الشعور بالاهتمام والقوة التي يفتقدها أي إنها تملأ شعوريًا الجزء الفارغ بداخله والذي يبحث عن من يملأه، وهنا يكون قد تم السيطرة على عقله وتبدأ عمليه التجهيز ليتحول لمنفذ لأحدى العمليات الإرهابية التي تنفذ في أي مكان بالعالم، والتي يمكن ان أكون ضحية لها أو أنت عزيزي القارىء أو كلانا معًا، فالكارثة هنا تبدأ بالتلاعب بالفكر نتيجة الجهل وتنتهي بتدمير على أرض الواقع، وأبرز مثال على ذلك هو تنظيم “داعش” الذى استطاع ان يجند العديد من الشباب باستخدام ذلك الأسلوب.

رأينا خلال السنوات الماضية كيف تحولت العديد من دول المنطقة أبرزها سوريا وليبيا والعراق واليمن إلي ساحة مفتوحة للجماعات المتطرفة والإرهابية التي عبثت في تلك البلاد ودمرت أسس الحياة فيها، حتى الدول التى كانت تتمتع بالاستقرار النسبي بجانبها تسربت إليها بعض الجماعات الإرهابية وتضرروا منها بشدة، وكان سكانها على موعد مع بعض العمليات الإرهابية الخبيثة.

ثقافة البغبغان

لأكون محددًا أكثر الثقافة التي أقصدها هنا ليست مجرد الحصول على شهادة التخرج، بل هي التعليم الذي يستطيع ان يُشكل عقل متفتح قادر على إستيعاب التغيرات العالمية مع الحفاظ على خصوصيتك وطريقتك الخاصة فى التفكير، أي الثقافة القادرة على تكوين شخصية مبدعة مميزة وليس التعليم القائم على الحفظ والتلقين وترديد العبارات المختلفة، “ثقافة البغبغان ” هى المثل الحقيقي لعم وجود تعليم مؤثر على تكوين وشخصية الفرد، فهى كجهاز كمبيوتر تمتلكه ولا تعرف كيف تستخدمه فهى شىء معك ولا تستفيد منه لأن عقلك لم يتعامل أو يقترب منها بل نظرك فقط، لذلك لا تتعجب حين تعرف انه قد أكد تقرير للبنك الدولي ان 25% من المقاتلين في صفوف تنظيم “داعش” والمنحدرين من أصول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حاصلون على تعليم جامعي، والنسبة الأكبر من الإنتحاريين تأتي من ذات المنطقة، فالبطالة رأس الأسباب التى تؤدي إلي الانضمام للتنظيم بين أبناء المنطقة فالشاب المتعطل يكون فاقد الأمل ناقم على الحياة كاره من حوله لا يستطيع ان يحقق طموحاته أو أحلامه أو ذاته ويفتقد الشعور بالاستقلالية والإنتماء، مما يجعله فريسة سهلة لمن يلعب على ذلك الوتر بنجاح.

التطرف كارثة كبرى يدفع ثمنها الجميع كبير وصغار في كل مكان حول العالم، فلا تغمض عينيك وتعتقد أن تلك الآفة الخطيرة بعيدة عنك .. بل هي حولنا جميعا تنتظر الخروج في لحظة ما لتهدم الأخضر واليابس، لذلك فالقضية هنا ليست متعلقة بديانة أو جنسية أو عقيدة بل هي حرب نخوضها جميعاً ضد فكر متحجر يرفض قبول الآخر والعيش مع الجميع في سلام.

Author: Sindbad Magazin