عموما

هل أصبح تطوير النظم التعليمية في العالم العربي بمثابة تحدي بقاء؟! مفاجأة 92 % من الشباب العربي يرون أن التعليم لا يحسن فرصهم التوظيفية

Open vintage ancient book. Pattern background for design. The book on a round oak wooden table and green wall background.

 

هل من السهل ان تبني ناطحة سحاب أو حتى مبنى بسيط بدون أساس قوي يستطيع ان يتحمل الظروف المناخية المختلفة بدون أن ينهار؟، بالقطع ستحتاج لمواد بناء قوية لتضمن ان يتحمل البناء الضغوط التي ستواجهه ويحمل أكبر عدد من السكان في أمان، فبالقطع التعليم والتدريب المهني المحترف هو ما نتحدث عنه هنا لكل يحمل حياتنا التي تمثل المبنى الذى يرتفع ويعلو ويقوى، كلما زادت متانة الأساس المشيدة عليه وقدرته على التحمل والتطوير، فالتعليم نقول عنه بمصر انه كالماء والهواء ولكني كنت أتمنى ان نتعامل معه بنفس القدر من الأهمية كمباريات كرة القدم والأفلام والمسلسلات المتنوعة، فللأسف في العالم العربي يتراجع الاهتمام بالتعليم بشكل كارثي مع توجيه الموارد المختلفة لبعض الأنشطة الآخري التي لا تمثل نفس القدر من الأولوية مثل كرة القدم التي تعتبر من أبرز الاهتمامات اليومية للعديد من المواطنين، يأتي بعدها الأغاني الشعبية و أفلام الحركة، لينحدر التعليم بشكل مخيف ويتراجع لأدنى سلم الأولويات، حتى يكاد ان يسقط ليسقط من فوق السلم. في أحد المرات تحدثت مع طفل صغير لا يتجاوز عمره العشر سنوات، وهو يلعب بأحدى الألعاب الإلكترونية على تليفونه المحمول قبل إمتحانه بساعات قليلة، لأوجه إليه سؤال بسيط قائلًا: «عندك امتحان كمان 3 ساعات ومش بتذاكر ليه؟».. ليرد بكل تلقائية: «يعني لو ذاكرت هطلع ايه فى الأخر، بكبر دماغي واللعب شوية»، ثم سألت طفل آخر كان يسمع موسيقي ويتراقص مع زملائه في نفس المشهد ليقول لى:»المغني «…» كسب مليون دولار من الفيديو بتاعه الأخير، هو في شغلانه لو اشتغلتها ممكن اخد المبلغ ده او نصه حتى!».. تلك المشاهد هي جزء بسيط من طريقة تفكير عدد كبير من أبناء الجيل الحالي، وربما غيرهم ايضا لأنهم رأوا بأعينهم ان التعليم لا يفيد صاحبه بل ان ممثل أو مغني ربما لا يعرف القراءة والكتابة أو لا يحمل شهادة تعليمية من الأساس سيجني أموال وشهرة واسعة خلال شهر واحد أكثر من شخص حاصل على الدكتوراه ربما يعمل طوال عمره على تحقيقه وفي النهاية لن يستطيع، لذلك لا تتعجب عندما تقرأ انه في استطلاع أجراه البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك» عام 2017 ، سُئِل الشباب: هل التعليم باعتقادهم يحسن فرصهم في سوق العمل في بلادهم؟ أجاب 92 % من المستجيبين «لا»، أو حتى «ألف لا»، بحسب أحد المشاركين في الاستطلاع.

واقع أليم

فهناك بالفعل شخص درس أكثر من 30 عام، وبالرغم من ذلك لا يكاد ان يتمكن من الإنفاق على أسرته بشكل مقبول، وهو يقف مبتسمًا ضاحكًا بصوت عالي يكاد ان يصل لدرجة البكاء والحسرة، وهو يري فنان لم يتعلم أكثر من 10 سنوات طوال حياته كلها يقف في أحد البرامج التليفزيونية يتباهى بنفسه، وكيف أصبح الأكثر مالًا نفوذًا وقوة وسيطرة من العديد وسط سياراته الفاخرة وممتلكاته الكثيرة، ليسألني ذلك الشاب كيف يعيش مع هذا الواقع الغريب؟. فلم أجد إجابة!
مشهد حقيقي وليست جزء من فيلم سينمائي، لطفل من أحدي الدول التي تضربها الصراعات المسلحة وتحولت لأحدي بؤرالتوتر الإقليمي بالمنطقة، لطفل لا يتعدى عمره الثانية عشر عامًا يمسك صاروخ «الار بي جي» ليلهو مع زملائه الحاملين أسلحة متنوعة آلية هم الآخرين، ويتسابق كل منهم في قوة سلاحه وأيهما أكثر تدميرًا، ترك الطفل حقيبته المدرسية واستبدلها بالسلاح وهو رمز الرجولة للأسف عند البعض، وبذلك يكون ذلك الطفل قد أضحى رجلًا بطلًا في نظر البعض يحارب ويقتل ويُقتل لتنهي رصاصة حياته كلها قبل ان تبدأ، لن أتحدث هنا عن البنية الأساسية التكنولوجية المنهارة أو خدمات الإنترنت مرتفعة الثمن التي لا تستطيع العديد من الأسر توفيرها لأطفالها، أو المدارس التي يتكدس فيها التلاميذ بالعشرات فوق رؤوس بعضهم البعض وذلك في حال وجدوا مقعد يحملهم، فالوضع بعدد من دول تلك المنطقة أصبح التعليم في نهاية الاهتمامات والصراع وحمل السلاح من أهم الأولويات، فقد تضررت العديد من أسس البنية التحتية التعليمية بشكل كبير في البلدان التي تشهد صراعات مسلحة، فمثلًا في العراق لم يبق سوى 38 بالمائة من البنية التحتية للمدارس على حالها، وقد دُمرت 18 بالمائة منها، أما في اليمن فقد تدمرت ثلث البنية التحتية التعليمية أو تحولت لمخازن سلاح أو مأوى للعناصر المسلحة أو للنازحين داخليًا.

لذلك لن نتعجب إذا رأينا القتال والعمليات المسلحة تحصد أرواح العديد من سكان المنطقة، والتطرف يبتلع أبنائها والصحة تنهار والتكنولوجيا والاستثمارات تبتعد وتهرب، لأن التعليم هنا الذي يمثل العقل قد فارق عدد من بلدان تلك المنطقة أو على الأقل أصبح مجرد صورة تجميلية بدون وعي أو روح حقيقية لإنارة العقول وتطويرها، لذللك فمن الطبيعي ان نري ان المنطقة تضم أعلى معدلات للبطالة بين الشباب في العالم، لتحتل أكبر معدلاتها بين خريجي الجامعات.

الشباب مشاركون في الأزمة

الغريب في الأمر إنه بالرغم من انتشار استخدام الإنترنت بين شباب المنطقة وإمتلاك معظمهم لأجهزة تليفون محمول متصلة بالإنترنت، إلا انه أغلبية استعمال تلك الأدوات لا ينحصر سوى في المشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي التي يغلب على معظمها البعد عن استخدامه في التعليم او العمل وإنحساره على الجانب الترفيهي، فموقع «لينكد إن» الاشهر عالميًا في التوظيف لا يعرفه أو يستعمله معظم شباب المنطقة ليقتصر معظم التعامل على الفيسبوك وتويتر وانستجرام، وينتشر ايضا إنشاء الفيديوهات التي يغلب عليها الطابع الساخر أو الترفيهي، ويقتصر الجانب التعليمي على جانب بسيط لم ينتشر بعد بشكل جدي بين شباب المنطقة، لتؤكد لنا الصورة ان الثقافة والاستخدام الخاطىء لشبكة الإنترنت يساهمان في تدني المستوي التعليمي والثقافي لأبنائها.
كما يشهد النظام التعليمي لبعض بلدان تلك المنطقة تدني واضح في النظام التعليمي بداية من إنه قائم على الحفظ بدلا من تنمية مهارة التفكيروالإبداع والتفكير، وأصبح الاهتمام بالحصول على الشهادة بغض النظر عن ثقافة من يحملها، فضلا عن جمودية النظام التعليمي التي لا تسمح للطالب أو التلميذ بالمشاركة في حوار مفتوح لتنمية تفكيره وإظهار ما بعقله وتطويره، حتى انه في بعض الحالات يصبح من الخطأ مناقشة المعلم أو تصحيح معلوماته أو حتى المناقشة في أمر يخطر على بال التلميذ، لذلك فمن الطبيعي في عدد من بلدان تلك المنطقة ان ترى العديد من شبابها يحملون الشهادات العليا ولكن القليل منهم من يمتلك المهارة والكفاءة للمنافسة في سوق العمل الذى أصبح يشهد منافسة عالمية شرسة، فتحول التعليم لمجرد ورقة تعلق على الحائط لتزيينه، وليس لأكتساب مهارة جديدة تنمي قدرات صاجبها وتفيد المجتمع وتساهم في تطوير اقتصاده القومي، فلم يتملكني الذهول عندما علمت انه لم تقترب أي بلدة من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المعدلات المئوية من الطلاب الذين استوفوا مستوى المعيار الدولي المرجعي المنخفض في دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم ((TIMSS، والدراسة الدولية لقياس مدى التقدم في القراءة ((PIRLS، كما وصلت نسبة الطلاب في المرحلة الإعدادية بمصر الذين أظهروا معرفة أساسيات العلوم نحو 42% من مجموع طلاب المرحلة، ، كما أظهر حوالي 36 بالمائة فقط من طلاب الصف الرابع في المغرب الحد الأدنى من مستويات معرفة القراءة والكتابة، وتأخرالطلاب في سن ال 15 في الجزائر والأردن ولبنان وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة بمقدار سنتين إلى أربع سنوات دراسية في المتوسط عن نظيرهم من طلاب البلدان الأعضاء في منظمة ((OECD في تطبيق المعرفة والكفاءة في القراءة والرياضيات والعلوم على نطاق حياتهم العملية.
الأخطر من ذلك ان بهض دول المنطقة لم تهتم بالبرامج التعليمية الخاصة بمرحلة الطفولة المكبرة وما قبل التعليم الأساسي، ليدخل معظم الطلاب تلك المنطقة للمراحل التعليمية المختلفة وهم غير مستعدين تعليمًا أو نفسيًا أو أسريًا، وهو ما يظهر على أدائهم الدراسي في المرحلة التالية، وقد أكدت الدراسات ان الاهتمام ببرامج تنمية الطفولة المبكر يساهم في تحسين الأداء الدراسي للطلاب ويرفع كفاءتهم وينعكس بعد ذلك على مستقبلهم المهني ويوفر لهم وظائف بدخل مرتفع، وهو ما يحد من معدلات الجريمة، وبالطبع يقلل من فرص الصراعات والنزاعات داخل المجتمع، وبالتالي زيادة فرصة السلام بالمنطقة، كما سيكون الاهتمام بالقطاع التعليمي دورهام في تنشئة الأجيال القادمة من خلال تعامل عائلاتهم السليم مع أطفالهم وتربيتهم بطريقة صحيحة.
كنت في غاية الحزان عندما قرات سؤال الذي يثير الحزن أكثر من التعجب، والذي نُشر في أحدي الدراسات الأوروبية، التي كانت تتسائل: «ماذا جرى في هذه المنطقة التي كانت رائدة الابتكار في العلوم والتنمية الاجتماعية بتفوقها التعليمي على مدى خمسة قرون، والتي أصبحت بمثابة عامل بناء للنهضة الأوروبية والثورة العلمية وهي اليوم من بين أدنى المؤدين حالياً في النتائج التعليمية؟!».

Author: sindbadmagazin