عموما

هل حان الوقت لتقود ألمانيا دفة إصلاح منظمة الأمم المتحدة؟!

fire. wildfire at sunset, burning pine forest in the smoke and flames.

ألمانيا: الأمل الجديد لإنقاذ النظام العالمي من التفكك والصراعات

إعداد- عمرو سليم: (عضو اللجنة العليا المنظمة للأسبوع العالمي لمحو الأمية المعلوماتية 2020/ منظمة اليونسكو)

دستور عالمي يجمع دول العالم على السلام والاستقرار والتعاون من أجل رفاهية البشر ومنع الحروب والصراعات .. ذلك كان الهدف الرئيسي من اجتماع اشترك فيه عدد من قادة دول العالم في24 أكتوبر 1945  بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، بعد ان خرجت العديد من دول العالم مثقلة بالأعباء، ومرهقة من ويلات الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية، فقرروا ان يضعوا نقطة ويدشنون منظمة الأمم المتحدة لتكون بديلة عن عصبة الأمم التي لم تؤدي الغرض المنشأة من أجله، وأثبتت فشلها في تحقيق السلم ومنع انتشار الأسلحة حول العالم، وتسوية المنازعات الدولية عبر المفاوضات والتحكيم الدولي، مما أظهر الحاجة لمنظمة بديلة تلعب الدور العالمي في حفظ الامن والسلم الدوليين أمر لا غني عنه، لذلك تم الإعلان وقتها عن ميلاد منظمة الأمم المتحدة.

آمال عريضة

تشعبت منظومة عمل الأمم المتحدة وانتشرت بعثاتها الرسمية عبر دول العالم، ووسعت عضويتها لتشمل193 دولة أي معظم الدول المستقلة، مع امتداد العديد من أذرعها الأمنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية كذلك الاقتصادية المنبثقة من أجهزتها الرئيسية، لنري في النهاية اجتماعات قمة وندوات ومؤتمرات دولية ومناقشات دبلوماسية وسياسية وسط خلية نحل تعمل ليل نهار من أقصي شمال لجنوب الكرة الأرضية، ليُشكل ذلك المشهد صورة المنظمة التي من المفترض ان تدير شئون العالم، وتعمل على تحقيق الميثاق الذي وقعت الدول الأعضاء عليه، وتعهدت باحترامه، بداية من حفظ السلم والأمن الدوليين وتسوية المنازعات سلمياً حتى تحقيق تعاون دولى بين الدول الأعضاء، مع العمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع سكان كوكب الأرض بدون أدني تمييز، إلا ان الواقع يشهد عكس ذلك تماما فتزايدت النزاعات والصراعات بين الدول وانتشر التطرف والإرهاب والمجاعات والأزمات الإنسانية، وتراجع دور القوي الكبري في تحقيق التعاون الاقتصادي وتسوية النزاعات سليماً ليحل محلها العديد من الصراعات الدموية التي شهدت تفاقماً خلال الفترة الأخيرة، لتكتفي المنظمة بالإعراب عن القلق والدعوة لوقف العنف والمناداة والمناشدة، ليتساءل البعض عن مدي جدوي وجود المنظمة التي هدفها الأساسي تسوية المنازعات سلميا والحفاظ على السلم والأمن الدوليين!!

الأزمة السورية نموذجاً

عنما نتحدث عن إصلاح الأمم المتحدة فلا يجب ان نغفل الأزمة السورية التي مازلت مستمرة حتى الآن رغم مرور ما يقرب من 10 سنوات من اندلاعها، فقد فشل المجتمع الدولي على رأسه الأمم المتحدة، ومجلس الأمن في توفير الأمن والأمان للسوريين، وتحولت سوريا لملعب عالمي يلعب فيه مؤيدين نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” المتمثلين في روسيا وإيران ومن خلفهم حزب الله، أما الثاني فهم المعارضون ويتمثلون في المعارضة السورية وما يساندها من قوي دولية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبعض دول الخليج من جانب اخر بشكل غير معلن، لتتحول سوريا إلى مقبرة كبري لمواطنيها من رجال ونساء وأطفال، فقد أشارت آخر إحصائية لمنظمة “اليونسيف” ان عدد المتضررين من الحرب وصل إلي 11 مليون فرد، بالإضافة لأكثر من 7 مليون طفل تأثروا بطرق مختلفة من جراء تلك الأزمة، لتتواصل يومياً الغارات الروسية المدعومة على الأرض من الجانب الإيراني في حصد أرواح المدنيين السوريين في ظل صمت الأمم المتحدة، ووقوف مجلس الأمن مقيد أمام الفيتو الروسي المرفوع ضد قرارات الدخل الدولي هناك، لتكتفي الأمم المتحدة ببيانات التنديد والقلق، وسط استمرار الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري، وبدأت تتأثر بها دول الجوار بشكل خطير.

إصلاح الأمم المتحدة

وسط ذلك المشهد العبثي الذي يضرب كوكب الأرض من شماله لجنوبه، مع ضعف ثقة بعض المواطنين بالعديد من أسس النظام العالمي، نجد ان هناك العديد من الأصوات عبر العالم بدأت تنادي بقوة لإصلاح الأمم المتحدة لتأخذ شكل أكثر جدية وواقعية في تسوية الأزمات، والتدخل لمواجهة الأزمات الإنسانية بشكل أكثر واقعية على الأرض لتسمح بدور أكثر فعالية في حماية النظام العالمي الذي بدأ يتأثر بقوة من الصراعات بين الدول والتكتلات التي تصارع بعضها البعض أو تلتهم الدول الصغري بدون أي رحمة أي شفقة، ومن أبرز وأحدث الأصوات التي خرجت خلال الفترة البسيطة الماضية لتؤكد ان هناك نوايا جادة لذلك الإصلاح والتطوير هو ما أشار إليه المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر “ريتشارد ديكتس”، حين قال: “إننا في رحلة معا. رحلة لتنفيذ قرار الجمعية العامة للشروع في أكبر عملية إصلاح لمنظومة الأمم المتحدة الإنمائية في التاريخ”.
وقد بدأت بالفعل أولي المحاولات الجدية لإصلاح الامم المتحدة في عام 1963عندما زاد عدد أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين من 6 إلى 10 أعضاء، كما زاد عدد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي مرتين (في عامي 1963 و 1971)، كما ظهرت محاولات جديدة بعدها للإصلاح استؤنفت في عام 1975 حيث تم تشكيل لجنة خاصة لميثاق الأمم المتحدة لتعزيز دور المنظمة، كما قدم الامين العام للامم المتحدة وقتها “بطرس غالي” في عام 1992رؤية لإصلاح المنظمة لتجديد دمائها وتنشيط دورها العالمي، وفي عام 1993 تم مناقشة مسالة الانصاف في التمثيل وعضوية مجلس الأمن وما يختص بذلك ويؤثر عليه من قضايا دولية في محاولة جديدة لإصلاح مظنومة العمل داخل المجلس.
أما في عام 2006 حث الامين العام للأمم المتحدة وقتها “كوفي عنان” جميع الدول على التحرك الجدي نحو الإصلاح بإعتباره فرصة قد لا تعوض، ظهرت بعدها عدة أصوات فردية من جانب بعض الدول للمناداة بضرورة التحرك لإصلاح المنظمة، ونري ذلك بوضوح في دعوة “ليو تشن مين” نائب الممثل الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة في عام 2008 خلال مطالبته أمام جلسة الجمعية العامة بضرورة إصلاح مجلس الأمن وإعطاء الأولوية لزيادة تمثيل البلدان النامية وخاصة الدول الأفريقية، كما أعلن رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد الروسي “قنسطنطين كوساتشيوف” في عام 2018، أن موسكو مستعدة للتعاون مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يتعلق بملف إصلاح المنظمة، كما ظهر ذلك ايضا واضحاً في الاقتراح الفرنسي عام 2013 الذي أعلنت فيه أعلنت فرنسا تاييدها لمبادرة إصلاح عمليات حفظ السلام لكي تتمكّن من تحقيق أهدافها، ومؤخرا بالتحديد في يناير 2017 قدم الأمين العام “أنطونيو جوتيريش” مقترحات لإصلاح الأمم المتحدة منذ بداية ولايته من أجل تنفيذ تغييرات أساسية في مجالات التنمية والإدارة والسلام والأمن.

ألمانيا وإصلاح مجلس الأمن:

ألمانيا من أبرز الاصوات التي نادت منذ عدة أعوام بضرورة إصلاح مجلس الأمن -الذي يعتبر الذراع الأمني العالمي للمنظمة- وتماشي ذلك مع تولي ألمانيا رئاسة مجلس الأمن في يوليو الماضي، لتضع عدة محاور رئيسية – بحسب الخارجية الألمانية- تعمل على تحقيقها من أجل صالح النظام العالمي خلال الفترة المقبلة تمثلت في جائحة كورونا وتهديدها للأمن العالمي، والتغيرات المناخية و خطورتها في خلق نزاعات جديدة وتعزيز النزاعات القائمة، على سبيل المثال في منطقة بحيرة تشاد أو السودان أو أفغانستان، ايضا نات ألمانيا بالاهتمام على موضوع مكافحة العنف الجنسي في النزاعات والاهتمام بأوضاع حقوق الإنسنا حول العالم، كما أولت اهتمام خاص بالصراع في سوريا وليبيا ومعاناة المدنيين هناك وتأثرهم بالحروب المستمرة هناك.
وأعلن وزير الخارجية الالماني مؤخراً، أن ألمانيا تنوى العمل بدأب من أجل إصلاح مجلس الأمن، من خلال المطالبة بمقعد دائم في أهم هيئة في الأمم المتحدة. وقال إن هذا التشكيل القائم منذ أكثر من 70 عاما أصبح “غير مساير للعصر”. وقال: “أعتقد أن توازن القوى في العالم يجب أن يكون ممثلاً بشكل أفضل مما هو عليه في الوقت الحالي.”
أضاف: النقاش الشديد حول إصلاح مجلس الأمن الدولي يعود إلى تسعينات القرن الماضي، حيث تدعو ألمانيا بالتعاون مع البرازيل واليابان والهند إلى توسعته. تريد البلدان الأربعة القوية اقتصاديا إلى جانب دولتين أفريقيتين الاستجابة لانضمامهم إلى دائرة الأعضاء الدائمين. ولكن حتى الآن فشلت جميع الجهود المبذولة للتغيير خاصة عدم الرغبة في الإصلاح من جانب الأعضاء الخمسة الدائمين الحاليين، إذ يجب أن يوافقوا إلى جانب ثلثي جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193، كما شدد على أنه على الرغم من أن الإصلاح سيكون صعباً، إلا أن ألمانيا لن تكل من وضع هذا الموضوع على جدول الأعمال، ولقد تم الحديث عن الإصلاح لفترة طويلة للغاية، دون إحراز أي تقدم.
تمتلك ألمانيا فرصة ذهية الآن لتغيير منظومة العمل في الأمم المتحدة بل النظام العالمي بأكمله، فهي رابع أكبر دولة مساهمة في ميزانية الأمم المتحدة، كما أنها تشارك في عديد من بعثات السلام المنتشرة حول العالم، الأهم من ذلك تتميز المانيا بعلاقات واسعة رشيدة محايدة بين مختلف دول العالم، لتحتل مكانة متميزة في قلوب شعوب الشرق والغرب على حد سواء، لذلك تعتبر “الحصان الرابح” في سباق التغيير العالمي .. بل يمكن أن تكون قائدة ذلك التغيير في حال وضع مخطط مناسب، ووجود إرادة عالمية قادرة على تحقيق تعايش سلمي بين مختلف الشعوب، وعالم أفضل خالي من العنف والصراعات.

Author: Sindbad Magazin