عموما

ما بعد «كورونا»

توقعات بانخفاض حركة التجارة العالمية بنسبة 32% خلال العام الحالي

منظمة التجارة العالمية تُعلن عن ورشة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار ..

2021
بداية التعافي

ضربت أزمة «كورونا» الاقتصاد العالمي في مقتل، فأغلقت مئات الآلاف الشركات والمؤسسات المختلفة أبوابها، وتضررت العديد من القطاعات أبرزها في مجالات السياحة والطيران والفنادق والمأكولات، فضلًا عن أنشطة السفر والتبادل التجاري الدولي وما يتصل به من مجالات مختلفة، ولذلك بدأت المنظمات الدولية للتحرك لتلافي تداعيات فترة ما بعد «كروونا»، وكان من أبرز تلك التحركات هو الروشتة التي وضعتها «منظمة التجارة العالمية» مؤخرًا لعلاج الانهيار الاقتصادي التي تسببت به تلك الأزمة المدمرة وانعكس تأثيره على مختلف اقتصاديات العالم سواء كانت على الدول مرتفعة أو منخفضة الدخل على حد سواء.
وعن تلك الروشتة قال «ألان وولف»، نائب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، خلال محاضرة افتراضية في واشنطن، إن النظام التجاري متعدد الأطراف يجب أن يبدأ التحضير للمساعدة في انتعاش الاقتصاد العالمي بعد أزمة COVID-19، وأشار إلى عدد من الطرق التي يمكن من خلالها تسهيل التجارة للمساعدة في التعافي وتحديد الاهتمامات، والتي تتمثل في ثلاث أولويات:
الأولوية الأولى- التعامل مع التهديد بالصحة العامة:
تمثل المنتجات الطبية حوالي 5٪ من إجمالي التجارة العالمية (الواردات والصادرات)؛ أي حوالي 2 تريليون دولار، أكثر من نصف الواردات أدوية، حيث يوصف حوالي ثلث إجمالي التجارة في المنتجات الطبية بأنها حرجة ونقص حاد في أزمة COVID-19؛ بلغ مجموعها حوالي 597 مليار دولار (أو 1.7 ٪) من إجمالي التجارة العالمية في عام 2019؛ الإ ان التعريفات على بعض المنتجات لا تزال مرتفعة للغاية.
على سبيل المثال، يبلغ متوسط التعريفة المطبقة على صابون اليد 17٪ ويطبق بعض أعضاء منظمة التجارة العالمية تعريفات تصل إلى 65٪؛ تجتذب لوازم الحماية المستخدمة في مكافحة COVID-19 متوسط تعريفة تبلغ 11.5٪ وترتفع إلى 27٪ في بعض البلدان، لذلك تعتبر التعريفة المفروضة على الصادرات كبيرة ومتزايدة.
يشير موقع منظمة التجارة العالمية للفيروس التاجي إلى فئتين من التدابير التي يجب أن تكون ذات أهمية متعددة الأطراف خاصة، ضوابط التصدير الوطنية على الإمدادات والمعدات الطبية والأدوية وتلك المطبقة على الغذاء.
وأكدت المنظمة أنه من المتوقع أن تنخفض التجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 13٪ و 32٪ في عام 2020 حيث أن وباء COVID ‑ 19 يعطل الأنشطة الاقتصادية العادية … في جميع أنحاء العالم. ما يصل إلى انخفاض ثالث في التجارة العالمية، ومن المرجح أن يتجاوز الانخفاض المتوقع في التجارة الناجم عن الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، حيث انه من المرجح أن تنخفض التجارة بشكل أكبر في قطاعات المنتجات ذات سلاسل القيمة المعقدة، من المحتمل أن تتأثر تجارة الخدمات بشكل سلبي للغاية ، خاصة في مجال النقل والسفر، وتعد تقديرات التعافي المتوقع إيجابية للغاية حاليًا لعام 2021 ولكنها غير مؤكدة، حيث تعتمد النتائج إلى حد كبير على مدة التفشي وفعالية الاستجابة.
الأولوية الثانية – إنقاذ الاقتصاد العالمي:
في حين أن تدابير السياسة التي قد تساعد في التعافي ليست أولوية قصوى بالنسبة لمعظم الحكومات في الوقت الحاضر، فمن المتوقع أن تكون هناك حاجة إليها في غضون أسابيع، فلم تتسبب القيود التجارية في الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وبالتأكيد لم تتسبب القيود التجارية في تراجع التجارة الدولية خلال فيروس كورونا، حيث كانت الصدمات في العرض وانخفاض الطلب هي العوامل الرئيسية، ومع ذلك ساهمت القيود التجارية في الانكماش الاقتصادي في كلتا الحالتين .
وأكدت المنظمة ان هناك عدد من الطرق التي يمكن من خلالها تسهيل التجارة. أولئك الذين يقترحون إدراجهم في أي قائمة من التدابير المحتملة للمساعدة في التعافي، تتضمن بعض النقاط التالية:
أولًا- تنفيذ اتفاقية تيسير التجارة، حيث تم إحراز تقدم نحو هذا الهدف، ويجب إجراء تقييم للتقدم الحالي ومعالجة أوجه القصور، وبالنسبة لأقل البلدان نمواً والبلدان النامية، قد يتطلب ذلك تلقي مساعدة تقنية إضافية كبيرة ستستتبع بدورها تمويلاً كبيراً من المؤسسات المالية الدولية، حيث سيكون معظم التنفيذ رقميًا، ولذلك يجب التغلب على الفجوة الرقمية.
ثانيًا- تخفيض وإلغاء التعريفة، حيث تعتمد صادرات عدد كبير جدًا من السلع على مدخلات من مصادر متنوعة، وهو ما سيؤدي لتلافي حدوث أزمة تجارية خلال الفترة المقبلة، فيمكن طرح فكرة وجود تخفيضات متبادلة ومنسقة للتعريفات الجمركية المستقلة، ويمكن ان نقترح هنا ثلاث نقاط رئيسية:

أ- القيام برسوم صفرية دائمة على جميع السلع ذات الصلة بالصحة (بما في ذلك المعدات الطبية واللوازم الطبية والمواد الخطرة التي تتعامل مع الملابس والصابون والمطهرات والمستحضرات الصيدلانية.
ب- يمكن تخفيض السلع المدرجة في اتفاقية السلع والخدمات البيئية المعلقة (EGA) إلى الصفر، والأساس المنطقي هو أن هذه السلع قد تم فحصها بالفعل لإلغاء الرسوم الجمركية.
ج- تحديث المعاملة المعفاة من الرسوم الجمركية لسلع تكنولوجيا المعلومات.

التمويل التجاري
لم يتعاف تمويل التجارة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل كامل من الأزمة المالية، وقد انخرطت منظمة التجارة العالمية لعدة سنوات في مبادرة لزيادة توافر التمويل التجاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال تطوير طرق لمعالجة النقص في تمويل التجارة، وقد شمل ذلك اجتماعات مع ممثلي مصارف التنمية المتعددة الأطراف المشاركة في تمويل التجارة ،تتمثل مقترحات منظمة التجارة العالمية فيما يلي: دعم برامج تيسير التجارة المالية للمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف عن طريق المناصرة؛ المساعدة في زيادة دعم بناء القدرات؛ الحفاظ على حوار مفتوح مع منظمي تمويل التجارة؛ والاستمرار في تتبع الفجوات في تمويل التجارة.
عمليات الإغلاق لمكافحة انتشار Covid-19 لها تأثير كارثي بشكل خاص على الشركات الصغيرة، فنذكر انه عندما سُئل مسؤول في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخراً عما يجب فعله للأعمال التجارية الصغيرة، قال: «بالنسبة للشركات الصغيرة، إن وجدت ينبغي إيلاء اهتمام عاجل لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة»
الأولوية الثالثة – الإصلاح الهيكلي لمنظمة التجارة العالمية:
ليس من السابق لأوانه النظر في الدروس التي يتم تعلمها الآن خلال الوباء ، وما هي الخبرة من السنوات الـ 25 السابقة من تاريخ منظمة التجارة العالمية التي تقترح مجالات التحسين والتطوير بداية من القواعد والعمليات، وكيفية إجراء المفاوضات وكيف تتم تسوية النزاعات، والطريقة التي ينظم بها الأعضاء أنشطتهم، حتى نوع ومقدار الدعم الذي يتوقعه الأعضاء من الأمانة المهنية لمنظمة التجارة العالمية، وظهر ذلك عندما دعت مجموعة العشرين إلى إصلاح منظمة التجارة العالمية قبل وصول أزمة كوفيد 19، حيث لم تقلل الأزمة من الحاجة إلى الإصلاح، بل جعلتها أكثر ضرورة، فبالطبع سيحدث ذلك بعد تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا، ولكن لا ينبغي تأجيل جهود الإصلاح لفترة طويلة، فلا يوجد شيء يمنع النظر الآن، حيث تمتلك الحكومات بالفعل القدرة على معالجة أكثر من جانب واحد من جوانب السياسة التجارية في وقت واحد.
بالتأكيد تسببت أزمة «كورونا» في فوضى اقتصادية كبرى للعديد من الدول ولكن .. يبدو انها ستعيد ترتيب المشهد الاقتصادي العالمي من جديد خلال الفترة المقبلة، فالمستقبل الآن لمن يتحرك سريعًا ويبادر بتنفيذ حلول تجارية غير تقليدية يستطيع ان يتغلب من خلالها على مختلف التحديات التي تواجهه، ويزيد من فرص التبادل التجاري مع مختلف دول العالم، عن طريق سياسة اقتصادية مخططة ومنظمة.