عموما

رمضان في زمن الكورونا

رمضان في زمن “الكورونا”: الكمامات تحل محل الفوانيس .. الأغانى الجميلة تُستبدل بالإرشادات الصحية .. التباعد الاجتماعي بدلا من اللمة الحلوة

 

إعداد – عمرو سليم:

شهر رمضان .. هاتان الكلمتان لهما مذاقهما وشعورهما الروحاني الخاص، فهل تتذكر كيف كنت تحتفل بذلك الشهر الكريم خلال طفولتك؟ أو حتى خلال العام الماضي على أقرب تقدير؟!!.. فجميعنا ننتظر رمضان من العام للعام منذ طفولتنا حتى صرنا شباب وكبار، مرورا بجميع مراحلنا العمرية، فذلك الشهر هو مبثابة الأخ والصديق والقريب منا جميعا، عندما يذكر اسمه تُفتح القلوب وتضاء الوجوه بابتسامة صافية، وتُرفع الأيادي بالدعاء، وهي تكاد ان تبكي من تأثرها بقرب الشهر الكريم، لذلك لهذا الشهر احتفاله الخاص الذي يميزه عن باقي شهور السنة بداية من الطقوس الدينية والأسرية وإعداد كل ما لذ وطاب من مختلف أنواع الأطعمة حتى المناقشات والتجمع مع الأهل والجيران والأصدقاء وممارسة الطقوس الرمضانية المميزة التي تعودنا عليها جميعا منذ صغرنا ولكن … تلك السنة ستكون الأصعب والاشد قسوة علينا مع وجود فيروس “كورونا” بيننا داخل منازلنا وأماكن عملنا كأنه يحيط بنا من كل جانب، مما دعى العالم لإتخاذ تدابير العزل الصحي الجماعى والتباعد الاجتماعي لتطل علينا طقوس شهر رمضان الاجتماعية تلك السنة بشكل مختلف عما عهدنا به طوال حياتنا.

أيام زمان

كان لشهر رمضان قديمًا طعم خاص ومذاق غريب يكاد ان لا يتكرر مع طغيان التكنولوجيا على حياتنا وتأثرها سلبًا بها، خاصة فيما يخص جانب تواصلنا الاجتماعي، وانتشار المراشقات والتجاذبات بين الأقارب والأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي لتتسبب هي الآخرى بتباعد اجتماعى كارثي قبل ان يبدأ به فيروس كورونا بعدة سنوات، فتعالوا نتذكر سويا ونعود عدة سنوات لزمن الماضي الجميل والطفولة الصافية الملائكية عندما كنا ننتظر شهر رمضان كل عام، ونبدأ في حساب الأيام بمجرد انتهائه لنستعد لاستقبال الشهر الجديد، ونحن نحسب مرور الأيام يوما بعد يوم، حيث نفرح أشد الفرح كلما قربنا من الشهر الكريم، فقبل بداية رمضان بأيام قليلة كنا نتجمع سويا كاهل وأصدقاء وجيران لنستعد لعمل زينة رمضان بألوانها الزاهية ولا ننسي الفانوس الكبير الذي نضعه على مدخل الشارع مع لمبة مضيئة ملونة لتزين به سماء شوارعنا الضيقة خلال ليل رمضان، فنبدأ بالمرور على الجيران والسكان لنتشارك سويًا في شراء الزينة والفانوس الذي كنا نصنعه بأنفسنا من الخشب، والأوراق الملونة الزاهية، ونحن نغني أغانى رمضان الشهيرة والجيران ينظرون إلينا من الشبابيك ونوافذ منازلهم وهو يضحكون ويشيرون لنا بأيديهم لتشجيعنا على الاستمرار في ادخال البهجة والسرور بالشارع وعلى السكان جميعهم، ثم نبدأ بتعليق الزينات والفانوس ليتحول الشارع إلى كرنفال ملون كأنه قطعة تم رسمها بعناية لتدخل الفرحة على كل من يراها.

وفي يوم رؤية هلال شهر رمضان نجلس سويا لنشاهد إعلان الرؤية في التلفاز، وبمجرد إعلان ميعاد بداية رمضان ننطلق جميعا في الشوارع المجاورة لمنازلنا ونضىء الفوانيس التي كان أهلها يشترونها لنا بألوانها المختلفة وأشكالها المتنوعة التي كان أغلبها مستمد من الشخصيات الكرتونية الشهيرة لتتنوع بين الفانوس الذي يضاء بالشمعة، والآخر الذي يعمل بالمصباح الكهربائي “البطارية”، يحمل كل منا فانوسه، وننزل به الشارع وهو مضاء ونضحك ونلعب سويا، ونحن نغني أغنية رمضان الشهيرة “رمضاان جانا غنوا معانا”، لم نكن ننسي أصدقائنا وجيراننا فقد يقوم بعضنا بمساعدتهم لشراء فانوس جديد أو لعبة جديدة في حال كانت هناك ظروف تمنعهم من ذلك، فالتكافل الاجتماعي والمحبة بين الجيران كان من أهم ما يميز ذلك الزمن الرائع الجميل، وفي نهاية اليوم يودع كل منا الآخر ليذهب كل إلى منزله استعدادا للسحور، وصيام أول أيام رمضان الكريم ونحن في قمة السرور والبهجة، يتجمع سويا جميع أفراد الأسرة ليتناولوا طعام السحور الذي كان يضم وجبة أساسية كل عام، وهي الفول المدمس والزبادي الذي يساعدنا على مكافحة الشعور بالعطش خاصة خلال فترة الصيام في الصيف، وايضا نتناول شراب قمر الدين بطعمه اللذيذ، لنتسامر جميعا حتى موعد أذان الفجر لنتوضأ ونصلى ويذهب كل منا للنوم، وفي اليوم التالي من يذهب إلى عمله أو مدرسته أو يساعد أسرته في تجهيز المنزل أو الإفطار، ومنا من كان يساعد في التجهيز لموائد الإفطار في الشوارع التي كانت باب من أبواب الرحمة التي يتميز بها الشهر الكريم كل عام، لنفتح الراديو أو التلفاز أيهما أقرب إلينا على القران الكريم استعدادا لأذان المغرب الذي كان الجميع ينتظره، وقبل ان نسمع الأذان يضرب مدفع الإفطار الجميل وثم نسمع أذان المغرب الذي كان الجميع في قمة اشتياقهموهو ينتظرون ان يخرج مؤذن المسجد بصوته الجميل ليعلن عن إنتهاء صيام اليوم، ثم نصلي جميعا ثم نبدأ بعدها تناول ألذ وأشهي المأكولات جميعًا كأسرة وأقارب وأصدقاء وجيران، ونحن نحكي عما فعله كل منا خلال أول أيام صيام رمضان من مواقف طريفة قابلته أول يوم، ثم ننهض لنستعد لصلاة العشاء والتراويح التي كان لها متعتها الدينية الخاصة.

رمضان حديثا

تغيرت بعض عادات رمضان ولكن بحمد الله ليس كلها فمع انتشار التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي قلت الزيارات المنزلية للتهنئة بقدوم الشهر الكريم، وحل محلها رسائل الموبيل والواتس والفيسبوك، كما ان فوانيس رمضان قد تطورت هي الاخرى لتأخذ أشكال وأحجام جديدة لم تكن موجودة من قبل، حيث أصبحت تغنى بجميع اللغات واللهجات بشكل ممتع وحديث، لتكون سمة مميزة للشهر الكريم في كل العصور والأوقات ولكن … لم تمنع التغيرات الحديثة متعة الاحتفال بالشهر الكريم، وتجمع الأسرة حول مائدة سحور وإفطار واحدة حتى مع الفترات العصيبة التي تمر بها العديد من الدول العربية نتيجة الصراعات، والأزمات السياسية لم تكن هي الآخري عائق أمام الشعور بمتعة الشهر العزيز والاحتفال به كل عام .

أزمة الكورونا

“التباعد الاجتماعي” تلك الجملة التي تبدو بسيطة في نطقها وفهمها ولكنها للأسف ستسبب لنا جميعًا معاناة كبري خلال هذا العام خاصة مع بدء احتفالنا بشهر رمضان الكربم، فتلك المناسبة الدينية التي ننتظرها كل عام للاستمتاع بطقوسها الروحانية والاجتماعية سيتغير بها الكثر خلال هذا العام، نتيجة انتشار فيروس “كورونا” بالعالم أجمع، ليفرق التجمعات ويفرض على الجميع الحجر المنزلي والتباعد بين الاشخاص والاكتفاء بالتواصل عبر شبكة الإنترنت، ويمنع الصلاة في الكثير من المساجد بالعديد من الدول خوفًا من عدوي الفيروس، كما انه فرض علينا هذا العام الاستغناء على الزينات الزاهية، وايضا الفوانيس الجميلة، وكذلك استيراد الياميش والأطعمة من الخارج بسبب القيود الدولية المفروضة على التنقل والحركة بمختلف أنواعها سواء للأفراد أو البضائع والمنتجات، لتنتشر الكمامات والقفازات مع الجميع بدلاً من الفوانيس، وتحل الأطعمة الصحية والأدوية العلاجية محل الياميش وحلوي رمضان اللذيذة.

لكن في نفس لم يتمكن “كورونا” من سرقة ذكرياتنا القديمة أو حتى الحديثة أو لمة أسرتنا الصغيرة التي نستمتع بها خلال احتفالنا بشهر رمضان الكريم، فيظل لدي البعض منا فانوس رمضان يعلقه داخل منزله مع الموسيقي وأغانى الشهر الكريم يستمع بها مع أسرته حتى إنتهاء الأزمة، لنعود جميعا نحتفل به العام القادم بعد ان نكون قد قضينا على فيروس “كورونا” للأبد، وتعلمنا الدرس الغالي الذي اراد الله ان يعطيه لنا خلال ذلك الوقت الغالي على قلوبنا جميعا، فأيامنا وسنوات عمرنا ,أهلنا وأحبائنا، يجب ان نستغلهم في الدعوة للسلام والتسامح والمحبة، بدلاً من الصراعات والحروب والنزاعات التي لا طائل منها سوي ضياع ما تبقي من سنوات عمرنا الجميلة فيما لا يفيد أو ينفع.

فمع احتفال المسلمين بشهر رمضان والمسيحيين بعيد القيامة المجيد ..هل ستكون أزمة “الكورونا” درس وعظة نتعلم منها جميعا ان الله أعطانا العديد من النعم والمميزات الرائعة حولنا فبدلا من ان نشكره ونستغلها في التعاون والسلام ونشر القيم الإنسانية التي حثت عليها جميع الأديان، وجهناها للصراعات والحروب وكانت نتيجتها العديد من المجاعات والقتلى والمشردين واللاجئين بكل مكان حول العالم؟ فهل حان وقت الاستيقاظ؟!

Author: sindbadmagazin