عموما

الهجرة لأوروبا بين واقع مأسوي وأحلام وردية لشباب يرغب فى الحياة

الهجرة لأوروبا بين واقع مأسوي وأحلام وردية لشباب يرغب فى الحياة

قصص أسطورية ترسم واقع مخادع لملايين الشباب العرب عن الحياة فى أوروبا

“ماجد”: ابن عمي غرق أمام عيني في عرض البحر فى مشهد لن أنساه طوال حياتي

 

الملف إعداد – عمرو سليم:

 

فيلا أنيقة فى قريته البسيطة .. سيارة فارهة آخر موديل .. ألاف اليوروهات تمكنه من تحقيق حلمه بالزواج من فتاة أحلامه وعيش حياة كريمة مستقرة .. ذلك باختصار ما يدور فى خيال العديد من الشباب العربي الذى يحلم بالسفر الى أوروبا بأى وسيلة أبرزها الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت والتى يمكن ان نصفها بـ “التوابيت الغارقة”، فجيل الشباب الحالى عرف أوروبا وسمع عنها من خلال أفلام التليفزيون والسوشيال ميديا وقصص وحكايات من سافر وعاد ليزور عائلته بمصر ليروي لهم حكايات أسطورية ألفها بعض من هؤلاء ليخفي واقع آليم عاشه هناك من بطالة وسوء أحوال معيشية سيئة فلا عن مشاكل أمنية نتيجة اقامته الغير قانونية، فلا يخفي علينا ان العددي من الشباب يسافر عن طريق تاشيرة سياحية أو تحت ستار الدراسة بالخارج أو الزيارات المؤقتة للأقارب و الأصدقاء وسرعان ما يكسر هؤلاء الشباب مدة أقامتهم ويبقون فى أوروبا هاربين من القانون خائفين من الترحيل فى أى وقت.

فيجلس الشاب واهما نفسه بانه عندما يستقل قارب الأحلام سيصل لجنة الله فى الأرض ليجد الفتيات الحسناوات الشقروات في إنتظاره فضلا عن الوظيفة التى يحلم بها وحياة كان ينبهر بها كلما شاهدها في أفلام السينما أو عبر صور المنتشرة على شبكة الانترنت، الا ان الواقع يكون عكس ذلك تماما فبمجرد وصوله لوجهته تبدأ أولى المصاعب التى تقابله من معضلة توفير مكان أقامة يسكن فيه خاصة ان أسعار السكن مرتفعة للغاية حتى ولو حجرة واحدة يسكن بها مع العديد من الشباب المغتربين مثله، ليبدأ بعدها فى محاولة الحصول على فرصة عمل فى اى مكان ببضع يورهات بسيطة لانه لا يملك تصريح إقامة ويجب ان يظل بعيدا عن أعين الشرطة، وهنا يعتبر ذلك الشاب صيد ثمين ليتم استغلاله بأبشع الطرق بداية من الوقوع فى فخ عصابات الاتجار بالبشر مرورا بتجار المخدرات وعصابات المافيا لغيره من طرق الإجرام التى بمجرد ان يدخل إليها لا يستطيع العودة لطريقه مرة اخرى، ولا ننسي عائق اللغة التى تجعله لا يستطيع التواصل مع من حوله أو يعرف إلي أى طريق يخطو، باختصار تبدأ رحلة الشاب بوهم وحلم وخيال لا يراه سوي فى عقله لتنتهي بعودته لأهله فى تابوت أو وقوعه ضحية عملية نصب واحتيال أو عودته لوطنه مرحلا مكسورا أكثر من ذي قبل بعد استدانته وضياع أموال أسرته التى كانت كل سندهم فى الدنيا من أجل مغامرة غير محسوبة المخاطر.

ما رويناه سابقا مشهد من مسلسل يتكرر يوميا، لدرجة إنه قد أصبح مكررا لدي العديد من الأسر فى مجتمعات أهلكها الفقر والبطالة و خنق أحلام شبابها الطموح الراغب فى تكوين أسرة والعيش بحرية وكرامة فى وطنه.

ولنكون أكثر قدرة على نقل الصورة، نروي لكم تجارب عدد من الشباب وقعوا ضحايا لسماسرة أحلام الموت كما ذكروها هم بأنفسهم لتكون عظة ومثال حي على ما يحدث على ارض الواقع بعيدا عن الاحلام الوردية الخيالية التى قد يتخيلها البعض:

“ع” شاب جزائري يتحدث عن رحلته ضمن مسلسل الهجرة الغير شرعية لأوروبا، قائلا: ” كان حلم العبور الى الضفة الأورووبية من الجزائر للبحر المتوسط يسكن خيالي دائما كحال أغلب الشباب العربي، فكنت لا افكر في شيء سوي الهجرة، وكانت دائما تراودني أحلام وردية عن أوروبا كأنها جنة على الأرض لا مثيل لها بصفة مستمرة، وفى أحد الأيام بينما كنت في أحد الأفواج الكشفية أثناء فصل الصيف بمخيم بولاية “الطارف” الساحلية الجزائرية، و خلال وجوجي هناك تعرفت هناك على شاب اسمه “هشام”،وفي أحد الليالي و في وقت متاخر و نحن هناك نتجاذب أطراف الحديث بالقرب من أاحد الشواطئ اذا بمجموعة من الشباب فى مقتبل العمر يظهرون من الغابة التي خلفنا كل واحد منهم يحمل حقيبة خلف ظهره، كأنهم ينتظرون شيئا ما، فسألت “هشام” ما الذي يفعله هؤلاء الشباب في هذا الوقت و إلى أين يذهبون؟!!.. فقال لي أنتظر و راقب، و بعد لحظات ظهر قارب يقترب من الشاطئ و على متنه شابان، عرفت وقتها انهم يصبيخططون للهروب به لأوروبا، و بسرعة البرق تزاحموا الواحد تلو الآخر على ركوب القارب، و كان قائد الرحلة يرتب أماكنهم كانو حوالي 14 شخص، ثم انطلقو يشقون ظلمات الليل لا يسمع لهم الا صوت المحرك، فقلت لصديقي ليتني كنت معهم فقال لي لا تهذي هل تعلم ماذا ينتظر فيهم انها ليلة سوداء انه جحيم، مرت تلك الليلة و بدأت فكرة الهجرة عبر قوارب الموت تلاحق ذهني فطلبت من “هشام” ان يساعدني وأصريت على ذلك، و بعد تعنته في البداية رضخ لي و قال لي انه سوف يتصل بصديق له يمكن ان يساعدنى، وفي اليوم التالى اتصل بصديقه ، وأوضح له انه بعد شهر سينظم رحلة و ستكون مضمونة -على حد قوله – و وكل ما يجب ان أفعله هو دفع العربون أولا، فوافقت بلا تردد وقلت ليس هناك مشكلة، وبالفعل أعطيته 8000 دينار كعربون، و قال انتظر اتصال مني بعد شهر، و في يوم من الأيام وصلني اتصال منه ليخبرني بان موعد التحرك سيكون غدا، ثم قمت بتوديع والدي ووالدتي ، وأبحرت مع حوالى 17 شاب بقارب يقوده شاب صغير لا يتجاوز عمره 18 عام، ثم ركبنا في القارب و انطلقنا نشق البحر، وكان الصمت يخيم على المجموعة لا تسمع الا طنين المحرك، ليحل الظلام وتبدأ الأضواء تختفي و بدأنا وقتها بالخوف الشديد الذى لم أعرف مثله في حياتي من قبل، فشعرنا في تلك الحظة بشعور لا يوصف، فنحن نشق الظلام المجهول لا يظهرلنا شىء سوي المجهول الذى يحمل إلينا الموت فى كل موجة مياه تحملنا وتقذف بالقارب فى كل اتجاه يمينا وشمالا فى عتمة الظلام المخيفة، و كان معنا أحد الشباب -أصغرنا سنا حوالي 17 سنة – بين الحين و الحين تسمعه يتمتم ويقول بصوت خافت يختلط به الحزن و الدموع “سامحيني يا أمي سامحيني”، لحظات كان يجهش بالبكاء الشديد و نحن كنا نتبادل على تهدئته و التهوين عليه، كانت لحظات عسيرة لا يمكن ان توصف ببضع كلمات، ثم قام أحد الشباب الذي مان يبدوا عليه إنه مثقف يخاطبنا قائلا: “يا شباب أدعوا الله و تشبثوا به و لن يحصل شئ الا ما كتبه علينا اقرأوا شيئا من القرآن سيزيل خوفكم و قلقكم”.

بعد ساعات من التحرك في قاربنا الصغير بدأت خيوط النهار تظهر، ولم نلبث ان نأخذ قسط من التفائل الا ونجد الأمن يحاصرنا بقواربه من كل اتجاه، ليقبضوا علينا ويسحبونا إلى اليابس مرة اخري ويضيع كل شىء فى لحظة من أجل حلم غير محسوب النتائج.

“رجب” شاب مصري حاول الهروب من مصر عن طريق الهجرة غير الشرعية أكثر من 4 مرات يقول: من أجل ان أهاجر بطريقة قانونية أحتاج إلي 80 ألف جنيه، ولكني فى نفس الوقت أقترضت حوالي 50 ألف جنيه واخت واستدنت من العديد لمجرد ان أقوم بتلك التجارب خلال 4 مرات التي فشلت جميعها.

أضاف:” الشباب صغير السن سافر لمدة عام أو اثنن وايتطاع شراء أراضي زراعية وبعضهم تزوج من أجنبيات وغيروا حياتهم كلها، فأنا لست اقل منهم لأحاول ذلك أنا ايضا”.

“ماجد” شاب مصري فى مقتبل العمر يقول: حاولت السفر بمركب من قبل، وكانت سفرية خطيرة جدا، فقد أخذ منى السماسرة 25 ألف جنيه نظير ركوبن القارب، ثم ركبت مع حوالي 35 شخص فى زروق صغير، من المفترض انه لا يحمل سوي 10 أفراد، ولا يوجد فى ذلك القارب أى وسائل انقاذ تذكر، فخلال بداية الرحلة خرجت المركب من بلطيم فى أتجاه البحر المتوسط، وكان الاتفاق ان تقابلنا مركب أكبر تنتظرنا فى عرض البحر ولكن فى منتصف المسافة تلاعب قادة المركب بهاوحاولوا اغراقنا، واذا نجا شخص منا يظلوا محاولين قتله وإغراقه فى المياه بأى طريقة، أضاف: خرجت من تلك الرحلة بماساة كبري فقد مات أبن عمي أمام عيني وعمره 18 سنة فى تلك الرحلة المشئومة التى لن أنساها طالما حييت “.

“خ .ع” من محافظة الفيوم المصرية يقول: “حاولت السفر 4 مرات لانه لا يوجد لدي وظيفة، ولا أى أمل فى المستقبل، لذلك نضطر للهجرة الغير شرعية عن طريق قوارب الموت، فأول مرة سافرت عن طريق ليبيا لإيطاليا لان كل جيراننا وأقاربنا بها، ولكن قبض علينا وتم ترحيلنا إلى مصر ثم حاولت السفر مرة اخرى بنفس الطريقة وما حدث أول مرة حدث من جديد، البلد كلها تريد السفر لانه لا يوجد أى أمل فى المستقبل”.

أنتهت قصص شباب كان بينه وبين الموت خطوات بسيطة جره إليها قصص وحكايات من اصدقائه واقاربه وأوهام وخيالات جعلته يريد الهروب من الواقع المأساوي ليعيش فى عالم آخر ويرفض ان يفكر ولو حتي لدقائق بسيطة بعقل وحكمة، ولكن الغريب فى الأمر ان معظم الشباب معرفتهم عن أوروبا “معرفة سمعية” قائمة عن تجارب أشخاص حكوا لهم قصص ربما يكون أغلبها غير حقيقي من باب عدم اعتراف هؤلاء الأشخاص بفشلهم فى الخارج أو تهويل ما وصولوا إليه هناك ليشار لهم فى النهاية بالبنان، وما ساعد ذلك انتشار الجهل والأمية فضلا عن عدم التعامل الإعلامي بصورة مهنية واقعية مع تلك القضية”.

Author: sindbadmagazin